مقالات وكتاب

الموائمة بين الرؤيتين كلام غير سياسي!!

يكاد الجنوبيون يفقهون كل شي ويجيدون كل شي الا السياسة، وتلك خاصية جنوبية بامتياز لأنهم ظلوا مرتهنين لخلفياتهم الأيدلوجية ولازالوا. والأيدلوجيا كما هو معروف تعني الارتهان لمعتقد ما سوى نزل من السماء أو طلع من الأرض وهذا يعني فيما يعنيه إدعاء الحقيقة ثم احتكارها وإعلان الحرب على كل من يختلف معها وهذا المسلك لا يتسق مع السياسة من حيث هي إدارة للمصالح، ولهذا ظل الجنوبيون مرتهنين لتخريجاتهم النظرية منذ ما بعد حرب صيف94م حتى اليوم.

لقد أعادوا كتابة تصورهم عن عاد وثمود وأرم ذات العماد وقالوا أن السبئيين ليسوا قحطانيين وكل هذا ليصنعوا لهم جذر في التاريخ حتى يتكأؤا علية لتحقيق أهدافهم السياسية وتلك كانت المهزلة الأولى. أما الثانية تتمثل في متاهة المفاهيم التي وضعوا أنفسهم فيها ولم يجدوا بابا للخروج منها، فقد اختلفوا حول موضوع الوحدة والاحتلال ومن ثم اختلفوا حول مفاهيم فك الارتباط، الاستقلال، استعادة الدولة ثم الفيدرالية المفتوحة والمزمنة وظلوا يولولون حول قرارات مجلس الأمن الدولي.. لماذا كل هذا؟ من حقي الاستعانة بصديق لأن متاهة كهذه لا يستطيع المرء العثور على الطريق الصحيح نحو بوابة الخروج منها الا بدليل ولذلك أجدني أعود لنقاشات جرت بيني وبين أصدقاء على الشبكة العنكبوتية وما قيل في تلك الحوارات:

أن أي مراجعة للوصول إلى مداخل علمية منهجية تمكن من بناء الأرضية التاريخية والسياسية التي ينطلق منها الجنوبيون لإعادة تشكيل وعيهم بالنسبة لقضيتهم تتمثل بأن حجم التعقيدات الهائلة التي نواجهها لا يمكننا إدراكها بمشاعرنا وعواطفنا وإخراجها من سياقها التاريخي السياسي والاجتماعي موضوعيا، أو التعامل معها كما يعتقد البعض باجتهادات آنية تقوم على الخلط بين مسببات الأحداث ونتائجها، أو التعامل مع النتائج دون تعليل مسبباتها لأن تقييم ودراسة عوامل الوحدة التاريخية الجنوبية ونشؤ الدولة، وما رافق تجربة الحكم من مشاكل ودورات صراع متتابعة انتهاء بحل الدولة والدخول في عملية الوحدة، وما ترتب عليها من تداعيات وتغيرات كارثية بالنسبة لشعب الجنوب تعتبر مهمة في الوصول كما أسلفنا إلى هذه العملية العلمية التحليلية المنهجية.

ولما كانت الغاية تتركز في الأساس، على الاهتمام بقراءة وتقييم المشهد السياسي الوطني والقوى الفاعلة في المجتمع بتركيبته الاجتماعية القائمة، والبحث عن الوسائل أو الأداة الفعلية التي يمكنها أن تؤمن وتضمن انتصار شعب الجنوب لقضيتة العادلة، وبعد أن منيت كل الجهود خلال السنوات الماضية بالفشل، وتعثر الحراك عن القيام بوظيفته كحامل تاريخي للقضية بشكل متكامل، وللمساعدة في إعادة تأسيس المنطلقات السياسية والتنظيمية، ومقاربة الرؤى بين مكونات العمل السياسي والجماهيري لأطياف ومكونات الحراك الجنوبي وغيره من القوى والفعاليات السياسية فإننا نعرض ـ والكلام لصديق الفضاء السوبراني ـ النقاط التالية:

ــ الحديث عن دور الحراك في الوقت الراهن، لا يمكن النظر اليه بنفس المعايير التي كانت قائمة قبل خمس سنوات أو سنة واحدة لكون المتغيرات نفسها قد فرضت وضعا جديدا ليس واردا في أجندة أي من فصائل الحراك وغيرها من القوى السياسية الأخرى.

ــ إذا وضعنا فرضية تقييم الحراك، فأننا معنيون بالبحث عن ماهية وطبيعة التيارات السياسية في إطاره والأسباب الجوهرية للخلافات القائمة، ومدى تعلق المشكلة بالقيادات أم بطبيعة المكونات الحاضنة له ، أم بغياب البرنامج الموحد وتعدد الخيارات، أم لأسباب طغيان الطابع المناطقي للحراك على الطابع الوطني ، هل يعود ذلك لضعف الروابط الوطنية، أم لغياب الوعي السياسي، أو الفراغ السياسي القيادي، وهل بروز النزعات المناطقية تعبر عن تشكل ونضج الوعي الوطني الجنوبي أم أنها تعبر عن تشوه في ذلك الوعي، ومدى إسهامه في أضعاف الانتماء للهوية الجنوبية الموحدة.

ــ أن الحراك الذي خرج من رحم المعاناة، أتسم بالعفوية ولم يسبقه أي عمل سياسي أو تنظيمي مخطط، قد أفرز بدوره قيادات ميدانية هي الأقرب إلى الحالة العفوية والمزاج العام الذي ولدته حالة المعاناة نفسها، فالحراك في بدايته، يشبه حالة النهر المتدفق الذي تم تفريعة فيما بعد إلى مسارات وقنوات متعددة، فتبخر بعضها وتعثر البعض أو تصادم مع الآخر وعجزت جميعها عن الوصول أو التلاقي في المصب الأخير.

ــ إذا كان الحراك قد أنتج خطابا ثوريا وسلميا، فقد ظل يدور حول نفسه ولم يتمكن من تطوير وسائلة وأدواتة لتحقيق أي من أهدافه المعلنة، لضعف قوة الدفع السياسية والتنظيمية وزيادة حدة الفرقة والأنقسام، فمن المعلوم أن الحراك ليس بثوره ويعتبر حالة غير مسبوقة في تاريخ الشعوب، واعتبار مسمى الحراك رديفا للثورة من حيث الاصطلاح والمضمون يمكن اعتباره بدعة سياسية لا تعرف قيادات الحراك نفسها أي سبب مقنع لإضفاء هذه التسمية على قضية الجنوب.

ــ كان الحراك هو الحاضر جنوبيا قبل أن تصادره قيادات الخارج، وتصبح قيادات الداخل في موقع التبعية للخارج، ومع بروز الثورة الشبابية في صنعاء نشاء واقعا جديدا تعززت فيه مكانة المشترك ونواتة المتمثلة بالإصلاح، وتمدد أنصار الشريعة وسيطرتها الميدانية على الأرض الجنوبية، انشطار مركز السلطة وقطبها الرئيسي في النظام القائم،ثم اهتمام العالم بقضية الجنوب واعتبارها من أولوياته بحساب المصالح الإستراتيجية، واعتبارها جزئية في الحل الشامل لليمن.

ــ كلما تأخر الحراك في حسم وحدته السياسية والتنظيمية وطنيا، فأن التطورات السياسية ستخلفه وراءها، فتحت مظلته أصبحت هناك مكونات متعددة وشخصيات تعمل باسمة وباسم القضية لحسابها الخاص بها، وستكون قيادات الخارج أكثر قدره على التحكم بدفة التسوية والمفاوضات القادمة وإذا لم يتمكن الاستقلاليون من توحيد صفوفهم في تيار سياسي واحد وفق رؤية سياسية واضحة فأن الكفة ستميل نحو القيادات الفيدرالية لتمتعها بغطاء سياسي متكامل لدى السلطة والمعارضة في صنعاء وقبول إقليمي ودولي.لأن قضية الاستقلال وفك الارتباط تواجه تحديات كبيره وعملية التفاف جنوبية وسلطوية وهناك اتجاها قويا لتضييق الخناق على دعاة هذا الاتجاه، بحسب المعطيات الإقليمية والدولية الراهنة، وبسبب الأداء المتواضع سياسيا وعدم القدرة على السيطرة على الأرض والتمسك بها في ظل اختلال موازين القوى ومواجهة قوى النظام والمعارضة وأنصار الخيارات الأخرى من الجنوبيين أنفسهم. وفي ظل صراع وتعدد الخيارات الجنوبية ـ الجنوبية والإصرار عليها سيتعذر الاتفاق على أي مبادرة وطنية مهما كانت دوافعها ومنطلقاتها.

ــ الاهتمام بدراسة أسباب عودة القيادات القديمة في الخارج إلى واجهة الأحداث على حساب قيادات الداخل، وما هي الأسباب والعوامل التي أدت إلى هذه العودة، وهل يعود الأمر إلى ضعف قيادات الداخل ووزنها الجماهيري، أم حالة التمزق التي جعلت معظم القيادات قيادات مناطقية بغض النظر عن مواقعها في المكونات الاسمية للحراك مما أضطرها للانضواء تحت مظلة قيادة الخارج، وهل للتمويل المالي علاقة بحدوث الأصطفافات الداخلية وتبدل التحالفات، وإلى أي مدى يمكن لمكونات الداخل أن تتمتع بالقدرة على اتخاذ خطوات عملية ملموسة لتوحيد جهودها ووحدة تمثيلها للشعب بمعزل عن تأثيرات الخارج أو بفرض الندية أو التكامل معها.

إن التعمق بهذه النقاط التي لخصها صديق الحوار على الشبكة العنكبوتية ربما يمكن من استخلاص بعض المرتكزات الضرورية للمبادرة نحو إيجاد رؤية جنوبية غير ماهو مطروح لكي نتمكن من وضع تصور لما سنطرحه على طاولة المفاوضات القادمة ليس على أساس الموائمة بين الاستقلال والفيدرالية كما هو مطروح حاليا للذهاب للتفاوض ولكن لنضع شرطا للمجتمع الدولي أن يتم التفاوض الثنائي (شمال ــ جنوب) وكل طرف يطرح ما لديه على الطاولة وسيكون طرح الحد الأعلى سبيلا للوصول إلى نتيجة قد تتمثل ولو الحد الأدنى من تمكين الشعب الجنوبي من السيادة على أرضة ووضع مصيرة ومستقبلة بيده من خلال وضع تلك النتيجة أمام شعب الجنوب ليقول رأية فيها من خلال أستفتاء تشرف علية الأمم المتحدة لأن وضع الرؤى المسبقة كنظرية الموائمة الرائجة حاليا كمن يضع العربة أمام الحصان ثم أني لم أفهم هذه الموائمة حتى الآن ولكنها نوع من التذاكي الذي سيفضح أصحابة عند أول اختبار جدي.

لقطات:

ــ جمعتني في لندن لقاءات متعددة بالشيخ صالح فريد الصريمة، الشخصية الاجتماعية والمثقف الليبرالي الحداثي بمعية الأصدقاء السفير سعيد هادي عوض والدكتور عادل العولقي الأستاذ بأحدى الكليات الطبية في لندن، وخلال تلك اللقاءات حدثت نقاشات مستفيضة للشأن الوطني وكان حديث الشيخ صالح ضافيا وعندما اختلفنا حول طريقة الحل لقضية الجنوب، قال: لا يمكن للمرء إلا أن يقف مع قضية شعبة ولكن لابد لنا عند الاتجاه نحو الحل أن نفكر في مشاكلنا وأمراضنا المزمنة، فلما سألته مزيدا من الإيضاح قال: أخشى أن لا يتفق الجنوبيين فلا زالت أمراضهم مستوطنة وعقولهم مسرطنة بالحزبية والمناطقية وهم إلى الصراع أقرب منهم إلى الوئام فطلبت منه أن يتفاءل فقال لي أنة متفائل بطبعه.

تذكرت حديث الشيخ يوم أمس وأنا أشاهد المسيرة التي حدثت على شاشة قناة الجزيرة لتسد مدخل فندق الميركور في عدن لمنع إعلان التكتل الوطني الجنوبي الديمقراطي من إشهار نفسه.. إلى متى سنظل هكذا؟ هل اختلافنا مع الرابطة وأنصارها يجيز لنا أن نمنعهم من العمل مهما كانت توجهاتهم..ننصح الاشتراكي بمراجعة حساباته لأن الجنوب لم يعد أقطاعية خاصة يمكن أن يسيطر عليها خصوصا وهذا الحزب يعاني من الشيزوفرينيا فهم وحدويون بصنعاء وانفصاليون بعدن فلا ترجموا بيوت الناس وبيتكم من زجاج.

ــ شكرا لكل الذين اتصلوا أو كتبوا في المواقع الالكترونية والمنتديات وعلى الفيس بوك ليعزوننا باستشهاد الأخ العقيد محمد عوض محمد الجبواني على مشارف زنجبار وهو يواجه عناصر القاعدة مع زملاءه في لواء شلال (115) ويجدر بي هنا أن أذكر مفارقة مؤثره في هذا الشأن وهي أن مجموعة من الأخوة أرسلوا رسالة تعزية باسم والد الشهيد وأسمي فرددت عليهم شاكرا ولكني لفت نظرهم أن والد الشهيد هو شهيد أيضا.. ذلك قدرنا ولسنا نادمين لأن هذا الشرف بعينة رغم الحزن الكاسح للفراق والألم الممض للخسارة.. ما يحز في النفس أن دماء الشهداء يستثمرها دائما الانتهازيين والوصوليين والقيادات اللاوطنية ويظل الوطن محلك سر.

مواضيع مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى