مقالات وكتاب

المناطقية بوابة لسحق مشروع الجنوب


بينما تعمل الدول الرئيسة في الإقليم بشكل جاد على تطوير رؤيتها الجيوسياسية وفقا للمتغير الدولي وتطورات الواقع في المنطقة.. يعكف الجنوبيون على فك شفرات الكهرباء والوقود وأشياء أخرى، والإنشغال بما توزعه كارفانات الغوغاء على صفحات “التنافر الإجتماعي” وهي تولول على طريقة “المعدداتية” للتحمئة الاعلامية بطرق ساذجة ومضرة بالنسيج الإجتماعي دون طائل.

وتحت وطأة الحالة المتعسرة ضاقت مساحة الإهتمام بالقضايا المصيرية، لتصبح ضرورات الحياة العامة أولوية مطلقة، وربما هذا ما يراد للجنوب. والحقيقة أن العقل الطبيعي سيفهم بأنه لو كان هناك إعداد استراتيجي لمستقبل الجنوب “كوحدة واحدة لا تتجزأ” من قبل التحالف لما رأينا الحال كما هو عليه الآن، وهذا في الأعراف السياسية مدعاة للحذر والحيطة خاصة وأن مستقبل الاوطان لا يرتكز على الوهم بأن هناك شيء ما تحت الطاولة، فالدول العربية عودتنا بأنها “أصلاً” لا تمتلك طاولة مستقلة، وكل خطواتها مجرد ردود أفعال… ورغم زحمة الفرضيات إلا أن الحكمة تتطلب إعداد الذات للأسوأ.

الخطير في مشهد الجنوب، الذي يقاسي حالياً من “جلسات التعذيب”، أن جهود الناس واهتماماتهم تتشظى بشكل أوسع، وتُصنع بيئة مثالية للتوظيف السيء للشأن العام، والاصطفافات، والتشيُّع المناطقي الذي إن تفشى سيعتبر خازوق تاريخي له مآلات كارثية على الجميع.

ولأن المناطقية هي البوابة الوحيدة لسحق مشروع الجنوب بضربة قاضية تحيله إلى “مأساة شكسبيرية”، فإن الأحزاب اليمنية، التي “تعشق” الجنوب عشق الجوارح للفرائس، تحاول فتح بوابة السَّعير تلك، من خلال تسخين الأجواء وتقطيع الأجزاء بمنهاجية مدروسة وليست بطرق فردية اجتهادية، فلا يهمها في شعب الجنوب شيء عدا أن يكون كسيح قبيح غير قابل للحياة إلا كتابع ضعيف لصنعاء وقواها التي ستتصالح في أول دقيقة بعد أن “يهجر” الطيران الحربي سماوات اليمن، ولديها سيولة نادرة في المواقف إستجابة للمتغيرات على الواقع.

هناك جنوب إلكتروني يترنح فوق صفحات الردح الإعلامي والسوشيال ميديا ويطلع منه، بين حين وآخر، غباء أهل الأرض في بدائيتهم الأولى، ويسقط فيه بعض أصحاب العقول الرازحة مع الأسف، وهناك جنوب عزيز كان وما يزال في جبهات القتال يدافع عن أرضه، وفي جبهات البؤس اليومي يقاوم الموت المحتمل  جراء العوز والندرة في ضروريات الحياة والأمراض الفتاكة… وهناك “أولاد الحلال” يستثمرون كل شيء!

الجنوبيون لديهم وفرة في الدم المسكوب وشحة في العقل المصلوب إلى العلاقة “اللوغاريتمية” مع الماضي التي أصبحت كطلسم أحفوري في اللاوعي، فهم لا يتحركون ككتلة سياسية واحدة في تداعيات المشهد اليمني العام وفي تطوراته المتوقعة ولا يثبتون، بعد كل تلك الدماء وذلك الدمار العظيم، أنهم الطرف الرئيس في المعادلة الكبرى. لهذا رأينا كيف يتعامل العالم مع جماعة من أهل “الكهف والرقيم” بواقعية رغم مشروعاتها الطائفية العتيقة… وكيف يعتبر الجنوب كشعب بتضحياته الجسيمة مجرد هامش قابل للتأجيل… رأينا كل ذلك وسألنا لماذا، ثم بعد أن عرفنا الجواب الشافي لم تهتز لنا قصبة!!!

هو الجنوب منذ أن أعلن نفسه “جمهورية مركزية واحدة” بصلاحية ٢٣عام فقط، حتى جُرفَ ب”صمت الحملان” إلى صنعاء ثم توالت عليه مصائب الدنيا، ما يزال يفتقد لشيء جوهري وأساسي يتمثل في غياب القدرات السياسية الوطنية، الجديرة بصناعة الإجماع والعمل في مثل هذه الظروف الحرجة، والتي ستحمي الجنوب من أي هزات قادمة ومن احتمال العودة المهينة إلى فلك صنعاء، وستحفظه عزيزاً من أن يظل بالمطلق رهينة الإرادات الخارجية لتعينه على تخطي هذا الحال، لأن تلك فرضية عائمة على بحر الإحتمالات.

إنه امتحان مصيري فلا يجب أن يمكث الجنوب، منكشف موزع بين الكتائب والنوائب والمكونات الخاصة والعامة، حتى يلتقط ما يُسقَط إليه بل عليه أن يتحرك ككتلة موحدة داخل المشهد السياسي العام لمواجهة كافة الاستحقاقات بوعي وبصيرة وقوة.. ويجبر الداخل والخارج على الإعتراف به. أما إذا توقفت ساعة العمل الجنوبي فإنه سيواجه ظاهرة “الموت الحراري”، ولن يكون هناك سوى جنوب افتراضي يتحول فيه كل أصناف القادة والأصنام إلى كائنات رقمية على صفحات التواصل الإجتماعي، وتنعزل مشاريعهم داخل هياكل دواوينية لمكونات حراكية تؤدي وظائف عامة شأنها شأن منظمات المجتمع المدني وربما بصورة أقل مهنية.

مواضيع مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى